2014/07/31

{7020 صدى} العيد في الشام هموم وأحزان

العيد في الشام هموم وأحزان
د. محمود نديم نحاس
 
المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، الخميس 31/7/2014
في العام الماضي وفي مثل هذه الأيام كتبت مقالة بعنوان "عيد الشام هذا العام"، وإذ أعود للكتابة عن الموضوع نفسه أجد أن الأمر ازداد سوءاً، بزيادة عدد المهجرين والمشردين. فأي عيد هذا الذي مر على شعب، ربعه مشرد، وربعه لاجئ في الدول المجاورة، وعُشره بين قتيل وجريح ومعتقل ومفقود، والباقون يتوقعون أن تنزل فوقهم البراميل المتفجرة، فكأنهم ينتظر الموت في أي لحظة! وأي بسمة سيستطيع العيد أن يرسمها على الوجوه أو الشفاه والحزن مسيطر على الناس، والدموع تملأ المآقي؟
أرسل لي صديق قصيدة لشاعر نظمها في معتقله، وقرأها في زنزانته يوم أحد الأعياد من وراء القضبان، فأبكت كل من كان عنده غلمان، بل وربما أبكت الجدران، ولربما أسالت دموع السجّان، فخفف عن المعتقلين العدوان، وتنازل يوماً عن أعمال الشيطان، وانحاز إلى المساكين ضد الطغيان، وعامل المساجين معاملة الإنسان، ورفض أن يكون من الأعوان، في جلد المواطنين وتخريب الأوطان، ولربما أعلن العصيان، وهو يرى الشباب يموتون في الريعان، ليس فيهم مجرم ولا مُدان، سوى أنهم رفضوا لفرعون الإذعان، وأرادوا هدم الأوثان.
وقبل قليل جاءتني رسالة تقول: من لم يمت بالقذائف والنيران مات غرقاً على شواطئ اليونان. وذلك في إشارة إلى حوادث غرق مراكب تهريب المشردين إلى أوروبا وهم يبحثون عن ملاذ آمن، بل وعن جوازات سفر لأولادهم.
لابد أن أولادك قد لبسوا ثياب العيد، وراح كل واحد منهم يتباهى بالجديد، وينهل من الحلوى التي كان ينتظرها خلال شهر الصيام... ألا فتذكر أولاداً كانوا في نعماء، فإذا بهم اليوم مشردين في أنحاء الأرض، في البراري داخل وطنهم، أو في المخيمات خارجه، لم يستطيعوا أن يحتفلوا بالعيد، فليس هناك أب يأخذهم إلى صلاة العيد، أو يأتيهم باللباس والحذاء الجديد، فالأب إما مغيّب في السجون من غير ذنب جناه، أو قضى إلى ربه من طلقة قناص أثيم، أو قُطعت رجله تحت قصف الظالمين. والأم المسكينة جمعت أولادها ولاذت بالفرار خوفاً على نفسها وعليهم، فتعرضت في منفاها لما لم يكن متوقعاً، إذ وجدت نفسها المعيل الوحيد، وحولها الأفواه جائعة والبطون خاوية.
وإضافة لحال هؤلاء هناك مناطق محاصرة، لا يدخل إليها رغيف خبز واحد، يعيش أهلها على ما يستطيعون استنباته في أرضهم، وقد عز الطعام، وندر المال، وهم يودعون كل يوم من يموت جوعاً.
الكل يزفر ويئن من الألم الدفين، والأسى يملأ بالدموع العيون، والجميع يشكون إلى الله الجبار أن ينتقم من الطغاة الآثمين. فالعيد ليس لهم، وإنما عيدهم يوم يزول الظلم ويعودون إلى ديارهم آمنين، ويكفيهم شرف أنهم صامدون على الحق المبين، لم يساوموا على الدين، ولم يستكينوا للظالمين، ينتظرون الفرج من رب العالمين. فيا ربّ أعطهم النصر المبين، وأطعم منهم الجائعين، وآمن منهم الخائفين، وآمنّا جميعا يوم الفزع الأكبر، فذلك الفوز العظيم.
ولقد أجاد الشاعر حينما وصف عيد الشام بقوله:
أبكي على الشام لا عيدٌ يمر بها *** ولا سرور يُناغي أعين العين
ولا اغتماضٌ لطرف الموت يمنحهم *** حيناً يُلملم أحزان المساكين
من لم يمت بسيوف الغدر قرّحه *** جوعٌ ودنّسه جَور الشياطين


2014/07/24

{7019 صدى} وأسألُك القصدَ في الفقرِ والغنَى

وأسألُك القصدَ في الفقرِ والغنَى
د. محمود نديم نحاس
 

المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، الخميس 24/7/2014
هناك قصة ظريفة تكررت كثيرا في مواقع الإنترنت، وتناقلتها رسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. والقصة رواها شاب عربي ذهب إلى ألمانيا للدراسة ظاناً أنه سيجد فيها رغد العيش والحياة الفاخرة، نظراً لمكانتها الصناعية في أوروبا، لكنه فوجئ بغير ذلك، حيث يعيش الناس في حياة محسوبة بدقة. ويتحدث الشاب عن الحفل الذي أقامه زملاؤه للترحيب به، وكان ذلك في أحد المطاعم. ويروي كيف أنه فوجئ بكميات الطعام القليلة التي وجدها على طاولات الألمان في المطعم، لاسيما طاولة زوجين شابين، مما جعله يتساءل في نفسه إن كانت تلك الوجبة البسيطة تتصف بالرومانسية، وكيف ستصف الزوجة الشابة زوجها أو خطيبها بالبخل في ذلك البلد الصناعي، في حين حفلت طاولة الشباب العرب الذين أقاموا الحفل بما لذ وطاب من الطعام الذي لم يستطيعوا أن يتناولوه كله رغم جوعهم، فتركوا ما يقرب من ثلثه على الطاولة!
ويكمل صاحبنا بأنه كان في المطعم بعض السيدات الألمانيات المسنّات اللواتي أبدين استياءهن من وجود كمية متبقية من الطعام على طاولة الشباب العرب! وعندما قال أحد الشباب: لقد دفعنا ثمن الطعام كاملا، فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن؟ قامت إحداهن بعمل اتصال هاتفي، جاء على إثره رجل بزي رسمي قدّم نفسه على أنه "ضابط في مؤسسة التأمينات الاجتماعية" وحرر للشباب مخالفة بقيمة 50 يورو! وهو يقول بلهجة حازمة (اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها! المال لكم، لكن الموارد للمجتمع الإنساني! وهناك العديد من البشر على هذه الكرة الأرضية الذين يواجهون نقص الموارد. وليس لديكم أدنى سبب لهدر تلك الموارد). ولم يجدوا بداً من دفع الغرامة مع الاعتذار.
ويعلق صاحب القصة بأن وجوه الشباب قد احمرت خجلا، لكنهم أخذوا درساً عملياً لن ينسوه أبداً لاسيما وأن الذي دفع الغرامة قد صوّر تذكرة المخالفة وأعطى كل واحد منهم نسخة عنها كهدية تذكارية كيلا ينسوا أن الموارد للمجتمع.
عندما يقرأ أحدنا القصة ثم يشاهد الأخبار ويرى إخوانا لنا في بلاد كثيرة لا يجدون ما يأكلون، لاسيما إخواننا الكرام في بلاد الشام، الذين يعانون اليوم من حر الصيف كما عانوا قبله من برد الشتاء، نجد أنه لزاماً علينا أن نراجع حساباتنا فيما مضى من شهر رمضان المبارك، ومن دروسه الكثيرة التي تعلمناها حول الحكمة من الصيام، فنقتصد في الطعام، لاسيما في أيام العيد القادمة، فلا نجعلها تعويضاً عما فاتنا في الشهر الكريم، بل نفكر في كيفية توصيل الطعام إلى إخواننا اللاجئين والمشردين، متذكرين القاعدة التي أقرها ذلك الشرطي الألماني: المال لك والموارد للجميع. فهذه هي تذكرة الوقت الذي نحن فيه، لاسيما ونحن نقرأ قول الحق تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، وندعو بما جاء في أحد أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم (وأسألُك القصدَ في الفقرِ والغنَى)، والقصد هو التوسط، أي من غير إسراف ولا تقتير، ومنه جاءت كلمة الاقتصاد، وهو العلم الذي يبحث في الإنتاج والثّرْوات وطُرْق اسْتِهلاكها.

2014/07/17

{7018 صدى} Fw: يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ

يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ

د. محمود نديم نحاس
 
المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، الخميس 17/7/2014

في القرآن الكريم وفي سورة البلد، يقسم الله سبحانه وتعالى بالبلد الحرام، وبوالد البشرية، وما تناسل منه من ولد، أنه خلق الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. فهل يظن الإنسان أن الله لن يقدر عليه؟ إذ يقول متباهياً: أنفقت مالاً كثيراً! فهل يحسب أن الله لا يراه؟ ثم يعدد الله سبحانه بعض نعمه على الإنسان من عينين يبصر بهما، ولسان وشفتين ينطق بها، كما إنه أوضح له طريقَي الخير والشر. فهلا تجاوز العقبة، وهي مشقة الآخرة. والذي يعين على تجاوزها عتقُ رقبة، أو إطعامٌ في يوم ذي مجاعة شديدة، يتيماً من ذوي القرابة، أو فقيراً معدَماً لا شيء عنده. ومع فعل أعمال الخير هذه فليكن من الذين أخلصوا الإيمان لله، وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله، وتواصوا بالرحمة بالخلق. فمن فعل هذه الأفعال فهم أصحاب اليمين، وأما الذين كفروا فهم أصحاب الشمال، وجزاؤهم جهنم مغلَقة عليهم.
فأي ترغيب أجمل من هذا في أن يقتحم الإنسان ويتخطى عقبة يوم القيامة بأن يبذل مما آتاه الله، فيعطي ذوي الحاجة من أقاربه والمساكين من غيرهم؟
إنها دعوة من الله العلي القدير للبذل في سبيله. وها نحن اليوم قد فُتحت أمامنا أبواب العطاء لإخواننا السوريين المشردين واللاجئين. فمن أراد اقتحام عقبة يوم القيامة فهذه من الفرص المتاحة، فمن شاء فليقلل ومن شاء فليكثر، على حسب السرعة التي يريد أن يتخطى بها العقبة.
وتبيّن الآية الكريمة (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) أن الإنسان عند الاحتضار يتمنى الرجعة لعمل الصالحات. لكن الآية الكريمة (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) تبيّن أنه يتمنى الرجعة لهدف واحد ألا وهو بذل المال ودفع الصدقات. والجواب معروف للجميع (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا).
ولعل السبب في تحديد هدف الرجعة بدفع الصدقة هو أن الإنسان في حالة قوته يصرفه الشيطان عن بذل الصدقات إذ يخوّفه بالفقر إن أنفق كما ورد في الآية الكريمة بعد الحض على الإنفاق (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) وكما فسر ذلك الحديث (جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، أَيُّ الصدقةِ أعظمُ أجرًا؟ قال: أن تصدَّقَ وأنتَ صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفقرَ وتأْمَلَ الغِنَى، ولا تُمْهِلُ حتى إذا بلغتِ الحلقومَ، قلتَ: لفلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا، وقد كان لفلانٍ). ولذلك ورد التأكيد في أكثر من موضع (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ. وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

2014/07/10

{7017 صدى} لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ



لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ
د. محمود نديم نحاس
 
المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، الخميس 10/7/2014

ما قاله أبو البقاء الرندي في نونيته يُعدُّ من أجمل المراثي التي قيلت في سقوط الأندلس، وهي التي يقول في مطلعها:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرّ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُوَلٌ *** مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحدٍ *** ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شانُ
وعندما نقرأ القصيدة ثم نقرأ أخبار الشام نبكي خوفا من أن تكون النتيجة واحدة. فنحن نسمع عن قصف المساجد ثم نقرأ في القصيدة:
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
وعندما تسمي الجهات الدولية مأساة السوريين بأنها مأساة القرن الحادي والعشرين إذا بنا نقرأ في القصيدة:
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمَّها *** وما لها مع طول الدهرِ نسيانُ
ونقرأ أن أصدقاء الشعب السوري اجتمعوا ثم اجتمعوا ثم اجتمعوا ومازالت القضية من سيء إلى أسوأ، فإذا بالشاعر الرندي يقول في قصيدته:
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ
ويفيد تقرير للأمم المتحدة بأن عددا كبيرا من اللاجئات السوريات يواجهن الفقر والاستغلال والتحرش، فإذا بالشاعر يقول فيما يقول:
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ *** لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
ونقرأ في الأخبار أن ثمانية آلاف طفل عثر عليهم على حدود دول الجوار بدون رفقة والديهم، فلا نجد فرقاً بين هذا الوصف وبين وصف الشاعر في القصيدة ذاتها:
يا ربّ أمّ وطفل حيلَ بينهما *** كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وعندما نقرأ عن تعرض الأطفال للاختطاف والعنف الجنسي فإذا بشاعرنا يصف في نونيته:
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعتْ *** كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً *** والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
فلا نجد إلا أن نردد مع الشاعر الرندي:
لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ *** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ