2014/08/29

{7023 صدى} هل من مقارنة؟

هل من مقارنة؟
د. محمود نديم نحاس
المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، الخميس 28/8/2014
 
فلسطين جرحنا الدائم، تحرق قلوبنا منذ أن فتحنا أبصارنا على الدنيا، أبكتنا دماً في سنوات كثيرة، ومزقت نفوسنا في مناسبات عدة. وما كنا نظن أن مأساتها ستتكرر في مكان آخر، حتى جاءت أحداث سوريا، فأدمت قلوبنا، وملأت بالدمع مآقينا، ومزقت مشاعرنا، ألماً وحزناً، ونحن كل يوم ننتظر الفرج، لعل الله يكشف الغمة، فتبرأ الجراح، ويعود للشام تألقها الذي كانت عليه على مدى التاريخ، ويخرج حفيد أمير الشعراء أحمد شوقي ليطربنا بقصائد يضاهي بها قصائد جده الذي قال:
كانوا مُلوكاً، سَريرُ الشَرقِ تَحتَهُمُ *** فَهَل سَأَلتَ سَريرَ الغَربِ ما كانوا؟
من حقنا أن نتساءل هل من مقارنة بين المأساتين. فقد أرسل لي صديق إحصائية عن أحداث فلسطين الأخيرة تقول: بلغ عدد القتلى من الأطفال 561 طفلاً، ومن النساء 344 امرأة، ومن الذكور 1184 رجلاً، في حين بلغ عدد المصابين 10500 شخص. أما البيوت التي أُصيبت فبلغ عددها 36700، تهدم منها 5622، والمساجد التي أُصيبت 152، تهدم منها 64. كما أصيبت 230 مدرسة، و 33 مركزاً طبياً.
وأرسل لي صديق آخر إحصائية بعدد القتلى من الفلسطينيين منذ 1948 وحتى 2012 وهي ثلاثون ألفاً. أما عدد المعتقلين الفلسطينيين طوال تلك المدة فبلغ 800 ألف. ولم يتعرض منهم لاعتداءات إلا كبار قادتهم، والاعتداءات غالبها في فترة التحقيق، ثم تتوقف بعد نطق المحكمة بالحكم. وأما الأغلبية من الأسرى الفلسطينيين فلديهم تلفاز ويتمتعون بثلاثة وجبات يومية ويخرجون الى الساحة كل يوم، ولهم رعاية طبية، ومن يريد إكمال تعليمه فالأمر متاح للأغلبية، وكثير منهم أنهوا تعليمهم وحصلوا على بكالوريوس وماجستير!
ونكاد لم نسمع عن حالات اغتصاب لنساء فلسطينيات على يد الصهاينة إلا في حالات نادرة. فهناك أوامر صارمة لتجنب إثارة غضب وحمية الشعب الفلسطيني الغيور.
أما إحصائيات الثورة السورية فتتفاوت بين الأعداد التقديرية والأعداد الموثقة. إذ يُقدر عدد الشهداء بـ 238 ألفاً، تم توثيق أسماء 125 ألفاً منهم. بينهم 2350 فلسطيني، و 15000 طفل، و 14000 امرأة. وعدد الجرحى التقديري هو 200 ألف. وعدد المعتقلين التقديري هو 260 ألفا، بينهم عشرات الآلاف من النساء و 9 آلاف طفل. ويُعتقد أن كثيراً منهم ماتوا تحت التعذيب دون أن يتم تسليمهم لأهاليهم.
ويروي الذين نجوا من المعتقلات السورية قصصاً هي أقرب للخيال. وأسوأ طرق التعذيب هي الاعتداءات الجنسية على الرجال والنساء على حد سواء. هذا عدا عن حالات الاغتصاب التي يقوم بها الجنود على الحواجز، أو عندما يهاجمون البيوت. وقد تم الكشف عن 3500 حالة اغتصاب، وما خفي أعظم بكثير، لأن الناس يتجنبون الحديث عما يصنفونه من الفضائح.
وعند الحديث عن التدمير فتقدر نسبة الدمار في أحياء حلب وحدها 65%، كما يُقدر عدد المنشآت الصناعية التي دُمرت بشكل كلي أو جزئي بـ 60 ألف منشأة، وعدد المساجد المدمرة بألفي مسجد، وعدد المدارس المدمرة بحوالي أربعة آلاف مدرسة، مما حرم ثلاثة ملايين ونصف مليون طفل من التعليم، منهم أكثر من مليون بحاجة لدعم نفسي مما رأت أعينهم من الفظائع وعلى الأخص قتل ذويهم أو اغتصابهم أمامهم. هذا عدا عن عشرات الآلاف من المحاصرين، وملايين النازحين في الداخل، وملايين اللاجئين في دول الجوار.
المقارنة بين ما أصاب الفلسطينيين وما أصاب السوريين تبدو غير ممكنة من خلال هذه الأرقام، لكن المؤسف أن المعتدي على الفلسطينيين هو الذئب الذي من طبعه العدوان، أما المعتدي على السوريين فهو من نصّب نفسه مكان الراعي. ولذا قال الشاعر عمر أبو ريشة في قصيدته بعنوان (أمتي):
لا يُلامُ الذئبُ في عُدوانه *** إنْ يكُ الراعي عَدوَّ الغنمِ


2014/08/23

{7022 صدى} لماذا يقتلون الأطفال؟

لماذا يقتلون الأطفال؟
د. محمود نديم نحاس
 
المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، السبت 23/8/2014
لماذا يقتلون الأطفال في سوريا؟ إنه السؤال الصعب المطروح على الضمير الإنساني. ربما يجيبك المفكرون بسيل من الأسباب. ولكن السؤال الأصعب: لماذا لم يقم الضمير العالمي حتى الآن بإيقاف شلال الدم في سوريا؟ ولماذا لم يأخذ القادرون على يد المجرمين؟ فها قد مضى ثلاث سنوات ونصف ومازال تحقيق الأمن والأمان حلماً عند أطفال سورية، ومازالت آمالهم غير منجزة. بل إن أحلامهم تزداد يوما بعد يوم. ربما كانوا قبل فترة ينشدون التخلص من البراميل المتفجرة، فإذا بهم يضيفون إلى ذلك أماني جديدة كأن يأكل أحدهم ولو وجبة واحدة في اليوم، لا أقول وجبة دسمة، بل وجبة وكفى.
ليس ما أقوله تعبير مجرد، فقد سمعت من أحد مسؤولي الإغاثة يوجّه نداء يحث فيه المحسنين على الإسهام بما يستطيعون لإطعام اللاجئين على حدود دولة مجاورة، سبق للسوريين أن استقبلوا أهلها في بيوتهم يوم أصابهم ما أصابهم. ولكن بعضهم قلب للسوريين ظهر المجن، ونسوا قول الحق سبحانه وتعالى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
لم تكن جريمة أطفال سوريا سوى أن أهليهم ثاروا ضد الظلم والطغيان، إذ لم يعد باستطاعتهم البقاء عبيداً تحت البسطار، فنالهم ما نالهم من القتل والتنكيل والتشريد واللجوء والاعتقال والسحل... وزد على هذه الكلمات مما قرأت عن الغزو المغولي وهجوم التتار، وستجد في النهاية أنك لم تصل إلى الوصف النهائي، حيث وصفها أحد الغربيين بأنها حروب العصور الوسطى تجري في القرن الحادي والعشرين.
وقد يسأل سائل: وما الفرق بين العصرين؟ وهو سؤال وجيه، فالإجرام ليس له عصر يخصه، ولا مصر يسكنه! لكن الفارق بين العصرين هو سرعة وصول الخبر! فما يحصل اليوم في زاوية من زوايا الأرض يصل خبره إلى أقاصي الدنيا بسرعة البرق، في حين لم يكن يعرف الناس في العصور الماضية ما يجري في بلدة مجاورة، إلى درجة أن أهل كل بلدة كانوا يصومون ويفطرون منفصلين عن البلدات المجاورة نظراً لصعوبة نقل الخبر. فإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا يتحرك الضمير العالمي لإنقاذ الأرواح؟
عندما تصنّف مواقع صحفية أمريكية مدينة حلب التاريخية على أنها أخطر مدينة للسكن هذا العام على مستوى العالم، فهذا يعني شيئاً كثيراً. فهي المدينة الأقدم في التاريخ، وكانت تقع على خط الحرير، وهو طريق القوافل التجارية بين آسيا وأوروبا منذ القدم، ولم يسبق لها أن صُنّفت إلا ضمن المدن الأكثر حضارة. لكنها اليوم ووفقاً لأقل التقديرات فإن عدد الضحايا حتى الآن بلغ 568 من بين كل مائة ألف مواطن.
العناوين التالية منذ عيد الفطر وإلى الآن تعبر عن نفسها تجاه الطفولة في سوريا: عيد الغوطة: جوع وخوف، ناشطون يحاولون زرع الابتسامة على وجوه الأطفال في العيد، وحدهم أطفال سوريا يتظاهرون في العيد، أطفال سوريون اشتروا أسلحة بلاستيكية ليقاتلوا الشبيحة، الحزن يخيم على حلب في العيد، مقتل عشرة أطفال وستة نساء في أول أيام العيد، دمار جيل كامل من أطفال سوريا، ألعاب أطفال سوريا تتمحور حول الموت والشهادة، أطفال سوريا مهددون بالضياع. ورشة عمل لتعريف الأطفال السوريين بحقوقهم، الطفولة المسروقة في سوريا، من أين يأتي الفرح لأطفال سوريا، مائة ألف سوري تحت القصف في عرسال، العالم نسي مأساة الأطفال في سوريا، المآسي تحرم ريف حمص بهجة العيد، عودة شلل الأطفال إلى سوريا، مساعدة أطفال سوريا على التعافي من الصدمة، الطفولة في سوريا تدفع الثمن، يعلمون أولادهم ضرب الأطفال السوريين: الطفولة السورية ضحية إجرام تحريضي، منع توزيع المساعدات على الأطفال السوريين، جيل محروم من التعليم في سوريا...
ويبقى السؤال الأصعب على الإطلاق: هل القاتل المباشر لأطفال سوريا هو وحده المجرم؟ أم أن الذين يسكتون عنه وهم قادرون على فعل شيء مشتركون معه في الجريمة؟ لقد نطق بها الشاعر:
الكلُّ مشتركٌ بقتلِكَ، إنّما *** نابَتْ يَدُ الجاني عن الشُّركاءِ
ويبقى السؤال الذي ربما لم يخطر على بال المجرمين: ما هو هذا الجيل الذي سينجو من القتل؟ وما هي الأفكار التي سيحملها؟ وماذا سيتولد في قلبه تجاه العالَم الذي كان بإمكانه إيقاف نزيف الدم ولم يفعل؟
وأخيراً وليس آخراً، لو أني قرأت خبر الحاجة صبرية الخلف التي عمرها مائة وسبع سنوات والتي تم إنقاذها مع تسعين آخرين على شواطئ اليونان، وهي في مسعاها للهرب من جحيم سوريا لتلحق بعشرين من أفراد أسرتها في ألمانيا، أقول لو أني قرأت خبرها قبل كتابة المقالة، لربما عدّلت العنوان إلى: لماذا يقتلون البشر؟


2014/08/13

{7021 صدى} Fw: هل السوريون في حاجة لإمدادهم بالرجال؟

هل السوريون في حاجة لإمدادهم بالرجال؟
د. محمود نديم نحاس
 
المقالة منشورة في الاقتصادية الإلكترونية، الأربعاء 13/8/2014
سألني صديق: هل تظن أن أهل سوريا في حاجة لإمدادهم بالرجال؟ قلت: أنا باحث علمي، وأحتاج لدراسة الوضع على الحقيقة لأعطيك الجواب. لكن في تحليل أولي أقول إنهم ليسوا في حاجة لأي مدد بالرجال. ودعني أتحدث بلغة الأرقام.
في سوريا، عدد الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والأربعين يبلغ أربعة ملايين، فإذا كان نصف السكان قد خرجوا من ديارهم، أليس فيهم كفاية وغنى للقيام بالواجب؟
قال: ولكن النصرة واجبة. قلت: الفتوى يصدرها أهل العلم، فعليك بهم. لكن الملاحظ أن هؤلاء الذين يذهبون للنصرة يحلمون بالجنة، في حين أن الجنة ليست مقصورة على هذا الطريق. فالطريق العام معروف (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)، وهناك طرق مخصوصة أوضحتها الأحاديث، وهذه نماذج منها:
(... فقُلتُ يا رسولَ اللَّهِ: إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ، قالَ: ويحَكَ! أحيَّةٌ أمُّكَ؟ قُلتُ: نعَم يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ويحَكَ! الزَم رِجلَها، فثمَّ الجنَّةُ).
(أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هَكَذا. وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى، وفرَّجَ بينَهما شيئًا).
(من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ...).
(التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهداءِ).
لكن هذه الطرق تتطلب من الإنسان أن يلتزم بها طول حياته، في حين يفكر الشاب بأن دقائق معدودة تكفي لأن تجعله في الجنة.
ولا شك أن جميع الناس تستفزهم مشاهد قتل الأطفال والنساء، وانتهاك حقوق الإنسان، ويتمنون أن يعملوا شيئا لإيقاف دم الأبرياء العزل. فهل الالتحاق بهم هو الطريق الوحيد للنصرة؟ وهل هناك طرق أخرى، أجدى وأنفع لدفع الأذى عن المستضعفين المظلومين؟ ربما يود السوريون أن يبقى هؤلاء المناصرين حيث هم، بين أهلهم وشعبهم ومجتمعهم ليشرحوا قضيتهم، ويوضحوا أبعاد معاناتهم، ويذكّروا الآخرين بما يجب عليهم، ويتعاونوا معهم على البر.
لقد التحق بعض الشباب بالساحة السورية تعاطفاً، وهم لا يعرفون الرايات المرفوعة في أرض غريبة عليهم، وربما وقع أحدهم فريسة بيد فئة تستغل حلمه بالجنة ليُقتل، وهم في الظل آمنون.
هناك تقارير موثّقة منشورة على الإنترنت تتحدث عن إقدام عدد من الجهلة على قتل مدنيين بدعوى رِدّتِهم، ومن ذلك التحقيق مع شخص وهو خارج من صلاة الفجر ثم إعدامه. وعندما تمّ سؤالهم عن التفاصيل أو عن الشرعي الذي قام بإصدار الحكم عليه، لم يرضوا أن يفصحوا عنه بحجة السريّة واكتفوا بوصفه بأنّه على قدر مناسب من العلم الشرعي!
قال صديقي: وما يدريك أن هؤلاء مدسوسون؟ قلت: يمكن أن نقول إن أبا لؤلؤة المجوسي، قاتل عمر رضي الله عنه، مدسوس، لكن هل يمكن أن نقول إن عبد الرحمن بن ملجم، قاتل علي رضي الله عنه، مدسوس؟ أو أن نقول: إن عمران بن حطان مدسوس، وهو الذي مدح ابن ملجم بقوله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها *** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
يا صاحبي، إن هذا فكر متطرف، ومازال يجد له مكاناً عند بعض الشباب. فهؤلاء وإن كانوا قلة لكنهم يشوهون صورة الشعب السوري الذي ثار على الظلم والطغيان ولم يصدر عنه أي تصرف يؤاخذ عليه. أما القادمون من الخارج فيمكن بكل بساطة أن تستغلهم أي فئة، بل إن وجودهم يطيل في عمر النظام الذي يدّعي محاربة الإرهاب. وفي الحقيقة فإن القضاء على الإرهاب يكون في مساعدة الشعب الثائر وليس بالاصطفاف مع التطرف.