2012/08/12

{6823 صدى} لم يزدني ذلك إلا فخراً واعتزازاً


لم يزدني ذلك إلا فخراً واعتزازاً
أ.د. محمود نديم نحاس
جامعة الملك عبد العزيز
المقال منشور في صحيفة ناثر الإلكترونية، يوم السبت 11/8/2012
منذ أيام نشرت في موقع (تواصل) مقالاً بعنوان "دلني على السوق"، ذكرت فيه بعض الأعمال التي يمكن للشباب المواطنين العمل فيها وحصد مداخيل ليست في أحلام الموظفين أن يحصلوا عليها، دون أن يمدوا أيديهم ليأخذوا من حافز، رغم أن فكرة حافز فكرة حضارية رائعة يُشكر عليها رائدها خادم الحرمين الشريفين.
وقد ذكرت للشباب الباحثين عن عمل المثل الصيني: لا تعطني سمكة لآكلها، بل علّمني الصيد. فأرشدني أحد الأصدقاء إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه (أنَّ رجلا من الأنصارِ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسأله، فقال: أما في بيتِك شيءٌ؟ قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه ونبسطُ بعضَه، وقعبٌ نشربُ فيه من الماءِ. قال: ائتني بهما. فأتاه بهما. فأخذهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيدِه وقال: من يشتري هذَيْن؟ قال رجلٌ: أنا آخذُهما بدرهمٍ. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: من يزيدُ على درهمٍ، مرَّتَيْن أو ثلاثةً، قال رجلٌ: أنا آخذُهما بدرهمَيْن. فأعطاهما إيَّاه، وأخذ الدِّرهمَيْن فأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: اشترِ بأحدِهما طعامًا فانبُذْه إلى أهلِك، واشترِ بالآخرِ قدُّومًا فائتني به. فأتاه به. فشدَّ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عودًا بيدِه، ثمَّ قال: اذهبْ فاحتطبْ وبعْ، ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا. ففعل. فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهمَ، فاشترَى ببعضِها ثوبًا، وببعضِها طعامًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِك يومَ القيامةِ. إنَّ المسألةَ لا تصلُحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دمٍ مُوجِعٍ). قال صديقي أن الحل الذي قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتمل على عدة جوانب إبداعية، فقد جعل ذلك الرجل يدفع ثمن الحل من ماله ليكون حريصاً عليه، ثم إنه راعى البعد الاجتماعي بترك درهم لأهله، ثم أعطاه الحل وتابعه حيث طلب منه أن يعود بعد فترة لتقييم التجربة، وقد أثنى على الرجل لأنه أجاد التنفيذ، بل إن الرجل عرف طريق القضاء على البطالة، وأدرك قيمة العمل الذي بدأ يدر عليه دخلاً جيداً، ولا نتصوره بعدها يتراجع عنه إلى ما هو أدنى منه.
وقال لي موظف، بأن لديه سيارة أجرة يعمل عليها بعد انصرافه من وظيفته. ولم يكتف بهذا، بل إنه يعمل في مجال تأجير وبيع العقار، دون أن يكون لديه مكتب للعقار، بل يعمل من بيته. وكل هذا لزيادة دخله والتنعم بما لا يقدر عليه زملاؤه في العمل الذين لهم مثل راتبه.
لكن المثال الأجمل هو ما حدّثني به أحد خريجينا حيث قال: إننا في بلد فيه فرص لا تحصى لمن يرغب. ثم تكلم عن نفسه، فعندما كان طالبا في كلية الهندسة كان متزوجا، وقد انقطعت مكافأته الجامعية لتأخره في التخرج، فكان يعمل على سيارته كسائق سيارة أجرة ليحصل على بعض الدخل. كما استغل معرفته الجيدة في أحد برامج الرسم الهندسي فكان يعطي الطلاب دروساً لقاء أجر، وكان كذلك يطبع البحوث على الحاسوب لبعض الطلاب، كل هذا من أجل أن يؤمّن لأسرته لقمة عيش كريمة. ويضيف بأنه عمل أيضاً خلال فترة دراسته موظف استقبال وكاشيير، كما عمل في بيع الخضار. والأهم من هذا فإنه يقول: ولله الحمد لم يزدني ذلك بعد تخرجي مهندساً إلا فخراً واعتزازاً! وقد أصبحت الآن مدير مشاريع وعقود محترف في إحدى شركات التوازن الاقتصادي وبمرتب عالٍ، وأطمح لما هو أعلى كمشروع خاص!.
لكن هناك شاب أرسل تعليقاً من نوع آخر، حيث قال: لو عمل المواطن كهربائياً أو سباكاً أو نجاراً فهل سندخله بيوتنا ليقوم بالعمل؟ ويضيف: عملت سائق سيارة أجرة، ولاحظت أن الناس يرفضون الركوب معي لأني مواطن! فاضطررت إلى التحايل، وصرت ألبس لباس الوافدين ليركب المواطنون في سيارتي! ويقول: إنها مهنة شريفة، وفيها الشهد والخير الكثير.
زميل في الجامعة أرسل يقول: يا ليت طلابنا يقرؤون، وينهضون، بدلا من التذمر والنقد. وقال غيره: البلد فيها فرص كثيرة، ولكن أين الباحثون عنها؟

هناك تعليق واحد: